الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

كيف نستفيد من مثال مريم؟‏

كيف نستفيد من مثال مريم؟‏

كيف نستفيد من مثال مريم؟‏

هل شعرت يوما بالضعف والعجز بعدما عُهد اليك فجأة بمهمة صعبة؟‏ هل يضنيك السعي المرير يوما فيوما وراء لقمة العيش؟‏ او لعلك بين الملايين الذين تستحوذ عليهم الحيرة والخوف إثر اضطرارهم الى ترك موطنهم واللجوء الى بلد آخر؟‏ ومَن منا لم يعتصر الالم فؤاده ويغمره شعور بالفراغ بعد ان غيّب الموت احد احبائه؟‏!‏

هل تعرف ان مريم ام يسوع مرّت بكل هذه الصّعاب،‏ بل نجحت في تذليلها ايضا؟‏ فكيف نستفيد من مثالها؟‏

مريم شخصية غنية عن التعريف في كل بقاع الارض.‏ ولا عجب في ذلك.‏ فقد أدّت دورا فريدا في إتمام مقاصد الله.‏ كما ان الملايين يقدّمون لها التبجيل.‏ فالكنيسة الكاثوليكية تكرّمها بصفتها امًّا حنونا ومثالا للايمان والرجاء والرحمة.‏ حتى ان كثيرين يؤمنون انها تشفع لهم عند الله.‏

فما هي نظرتك الشخصية الى ام يسوع؟‏ والاهم،‏ ما هي نظرة الله اليها؟‏

مهمة فريدة من نوعها

كانت مريم ابنة هالي من سبط يهوذا الاسرائيلي.‏ ويرد اول ذكر لها في الكتاب المقدس في حادثة استثنائية.‏ فقد زارها ملاك وقال لها:‏ «طاب يومك،‏ ايتها المنعم عليها،‏ يهوه معك».‏ فاضطربت مريم في البداية و «أخذت تفتكر ما عسى ان يكون هذا السلام».‏ عندئذ قال لها الملاك ان الله اختارها لتؤدي مهمة مثيرة للدهشة وبالغة الاهمية:‏ ان تحبل وتلد وتربّي ابن الله.‏ —‏ لوقا ١:‏٢٦-‏٣٣‏.‏

ما اثقل المسؤولية التي أُلقيت على عاتق هذه الشابة العازبة!‏ وكيف كان رد فعلها؟‏ لا بد انها فكّرت ان احدا لن يصدّق قصتها.‏ وربما خطر لها ان هذا الحَمْل سيكلّفها حبّ خطيبها يوسف او يلحق بها وصمة عار.‏ (‏تثنية ٢٢:‏٢٠-‏٢٤‏)‏ مع ذلك،‏ لم تتردد مريم في تولّي هذه المسؤولية الكبيرة.‏

وما مكّنها من الاذعان لمشيئة إلهها يهوه هو ايمانها القوي.‏ فقد كانت واثقة كل الثقة انه سيعتني بها.‏ لذا هتفت قائلة:‏ «هوذا أمَة يهوه!‏ ليكن لي كما أعلنت».‏ فمن الواضح انها كانت مستعدة للوقوف في وجه التحديات التي تكمن امامها لأنها قدّرت حق التقدير الامتياز الروحي الذي حظيت به.‏ —‏ لوقا ١:‏٣٨‏.‏

وحين اخبرت مريم يوسف انها حبلى،‏ نوى ان يفسخ خطوبتهما.‏ ويا للعذاب الاليم الذي احسّا به كليهما خلال تلك الآونة!‏ ومع ان الكتاب المقدس لا يذكر كم دامت هذه الفترة العصيبة،‏ لا شك ان مريم ويوسف انشرح صدرهما حين ظهر ملاك يهوه ليوسف وأوضح له انها حبلى بطريقة عجائبية،‏ ثم طلب منه ان يأخذها الى بيته بصفتها زوجة له.‏ —‏ متى ١:‏١٩-‏٢٤‏.‏

مرحلة عصيبة

في ايامنا هذه،‏ تمضي الام اشهرا عديدة وهي تستعد لقدوم طفلها.‏ وربما هذا ما فعلته مريم ايضا،‏ وخصوصا انها كانت تنتظر اول مولود لها.‏ لكنّ احداثا غير متوقعة عرقلت خططها.‏ فقد اصدر اوغسطس قيصر مرسوما يقضي بأن يكتتب جميع الناس في مسقط رأسهم.‏ لذا سافر يوسف ومريم التي كانت آنذاك في شهرها التاسع مسافة ١٥٠ كيلومترا تقريبا على ظهر حمار كما يُرجَّح.‏ تخيّل كم كانت هذه الرحلة شاقة عليها!‏ وفي تلك الآونة،‏ كانت بيت لحم تعجّ بالمكتتبين.‏ لذلك حين احتاجت مريم الى مكان تحظى فيه ببعض الخصوصية كي تضع مولودها،‏ لم تجد امامها سوى اسطبل وضيع.‏ ولا بد انها شعرت بالاحراج والخوف وهي تلد في مكان كهذا.‏

في تلك اللحظات الحرجة،‏ سكبت مريم قلبها امام يهوه وكلها ثقة انه سيعتني بها وبطفلها.‏ وفي وقت لاحق،‏ جاء بعض الرعاة متشوقين لرؤية المولود،‏ وأخبروها ان الملائكة دعته ‹مخلّصا،‏ المسيح الرب›.‏ ويخبرنا السجل انها «كانت تحفظ كل هذا الكلام،‏ متفكرة فيه في قلبها».‏ فقد تأملت في هذه الكلمات واستمدّت القوة منها.‏ —‏ لوقا ٢:‏١١،‏ ١٦-‏١٩‏.‏

وماذا عنا اليوم؟‏ نحن نعرف اننا سنكابد المشقات في هذه الحياة.‏ كما ان الكتاب المقدس يظهر ان «الوقت والحوادث غير المتوقَّعة» ستصيبنا كافة وترمي في طريقنا شتى المحن والمصاعب.‏ (‏جامعة ٩:‏١١‏)‏ فهل نصير آنذاك اشخاصا مرّي النفس نلقي اللائمة على الله؟‏ أفليس من الاجدى لنا ان نقتدي بمثال مريم ونقترب اكثر الى يهوه الله بالتعلم من كلمته الكتاب المقدس والتأمل فيها؟‏ ان فعلنا ذلك يساعدنا دون ريب على تحمل تجارب الحياة المريرة.‏

الفقر واللجوء الى بلد آخر

اعترضت سبيل مريم صعاب اخرى ايضا،‏ كالفقر والنزوح قسرا عن موطنها.‏ فهل اختبرتَ شدائد كهذه؟‏ يذكر احد التقارير ان «نصف سكان العالم،‏ حوالي ثلاثة بلايين شخص،‏ يعيشون بأقل من دولارين في اليوم».‏ كما ان الملايين يكدحون لتحصيل لقمة العيش رغم انهم يحيون في بلدان يُفترض انها غنية.‏ فماذا عنك؟‏ هل تشعر ان السعي يوما بعد يوما لتأمين المأكل والملبس والمأوى يستنزف كل ما أُوتيت من قوة،‏ بل يسحقك احيانا؟‏

يشير الكتاب المقدس ان يوسف ومريم كانا فقيرين الى حد ما.‏ فبين الحقائق القليلة التي يكشفها كتبة الاناجيل،‏ متى ومرقس ولوقا ويوحنا،‏ عن هذين الزوجين انهما ذهبا الى الهيكل بعد اربعين يوما من ولادة يسوع ليقرّبا التقدمة التي تفرضها الشريعة،‏ «زوج ترغل او فرخَي يمام».‏ * (‏لوقا ٢:‏٢٢-‏٢٤‏)‏ وهذه التقدمة سُمح بها للفقراء فقط الذين يتعذر عليهم تقديم حمَل.‏ وهكذا يبدو جليّا ان يوسف ومريم كانا يكدّان لتأمين ضرورات الحياة.‏ مع ذلك،‏ نجحا نجاحا كبيرا في خلق جو عائلي تسوده المحبة.‏ فمن الواضح ان المساعي الروحية احتلت المرتبة الاولى في حياتهما.‏ —‏ تثنية ٦:‏٦،‏ ٧‏.‏

لم يمضِ وقت طويل على ولادة يسوع حتى طرأ من جديد تغيير كبير في حياة مريم حين طلب ملاك من يوسف ان يأخذ عائلته ويهرب الى مصر.‏ (‏متى ٢:‏١٣-‏١٥‏)‏ لقد كانت هذه المرة الثانية التي تضطر فيها مريم ان تترك البيئة التي ألفتها،‏ انما لتذهب الآن الى بلد غريب.‏ وربما تمكّن يوسف ومريم ان يعيشا بين ابناء شعبهما في مصر التي احتضنت جالية يهودية كبيرة.‏ إلا ان السكن في بلد اجنبي كان على الارجح مربكا ومليئا بالتحديات.‏ فهل انت وعائلتك بين الملايين الكثيرة الذين تغرّبوا عن بلدهم سعيا وراء خير اولادهم او هربا من خطر يحدق بهم؟‏ اذًا فأنت تدرك تماما ما عانته مريم في مصر.‏

زوجة وأم تقية

باستثناء الروايات المتعلقة بولادة يسوع وطفولته،‏ قلّما اتت الاناجيل على ذكر مريم.‏ لكننا نعرف ان مريم ويوسف رُزقا بستة اولاد آخرين على الاقل.‏ هل تدهشك هذه الحقيقة؟‏ تأمل في ما تقوله الاناجيل في هذا الخصوص.‏

أكنّ يوسف احتراما كبيرا للامتياز الذي حظيت به مريم ان تحبل بابن الله.‏ لذا احجم عن اقامة اية علاقة جنسية معها قبل ولادة يسوع.‏ تذكر متى ١:‏٢٥ ان يوسف «لم تكن له علاقة زوجية بها الى ان ولدت ابنا».‏ والكلمة «الى» في هذا العدد تشير ان يوسف ومريم اقاما بعد ولادة يسوع علاقات جنسية ككل زوج وزوجة.‏ وأنجبا بحسب روايات الاناجيل صبيانا وبنات.‏ فقد كان يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا اخوة يسوع من امه،‏ وكان له اختان على الاقل.‏ (‏متى ١٣:‏٥٥،‏ ٥٦‏)‏ لكن هؤلاء الاولاد حبلت بهم مريم بالطريقة المعهودة.‏ *

كانت مريم امرأة تهتم بالامور الروحية.‏ فمع ان الشريعة لم تُلزِم النساء بحضور الاحتفال بالفصح،‏ اعتادت مريم ان ترافق يوسف في الرحلة السنوية الى اورشليم للاحتفال بهذا العيد.‏ (‏لوقا ٢:‏٤١‏)‏ وعنى ذلك انهما كانا يقطعان كل عام حوالي ٣٠٠ كيلومتر ذهابا وإيابا برفقة عائلتهما التي كان افرادها يزدادون سنة بعد سنة.‏ ولكن ما من شك ان الجميع كانوا يجدون الفرح والمتعة في هذه الرحلات.‏

وفي ايامنا هذه،‏ تقتدي نساء كثيرات بمثال مريم الرائع.‏ فهنّ يعملن بجدّ ويتفانين في النهوض بالتزاماتهن المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وكم من مرة تعرب هؤلاء الزوجات التقيّات عن الكثير من الصبر والاحتمال والتواضع!‏ فالتأمل في مسلك حياة مريم يساعدهن على وضع المسائل الروحية قبل راحتهن ومتعتهن.‏ وهنّ يدركن،‏ تماما مثل مريم،‏ ان عبادة الله الى جانب ازواجهن وأولادهن تقوّي اواصر العائلة وتوحّد افرادها.‏

ذات يوم،‏ فيما كان يوسف ومريم عائدَين من احتفال في اورشليم وبرفقتهما على الارجح عدد من اولادهما،‏ لاحظا غياب يسوع الذي كان عمره آنذاك ١٢ سنة.‏ تخيل كم اسودّت الدنيا في عيني مريم وهي تبحث بجزع عن ابنها طوال ثلاثة ايام!‏ وحين وجد يوسف ومريم ابنهما اخيرا في الهيكل،‏ قال لهما:‏ «ألم تعلما انني لا بد ان اكون في بيت ابي؟‏».‏ وهذه المرة ايضا حسبما تذكر الرواية،‏ كانت مريم «تحفظ باعتناء كل هذا الكلام في قلبها»،‏ ما يدلّ مجددا على عمقها الروحي.‏ فقد كانت تتأمل مليّا في كل ما يحدث مع يسوع.‏ وبعد سنوات،‏ يُرجَّح انها اخبرت كتبة الاناجيل ذكرياتها الحية حول هذه الواقعة وغيرها في حياة يسوع الباكرة.‏ —‏ لوقا ٢:‏٤١-‏٥٢‏.‏

ذاقت عذاب الفراق

ماذا حلّ بيوسف ابي يسوع بالتبني؟‏ بعدما أُوتي على ذكره بإيجاز في تلك المناسبة الوحيدة خلال حداثة يسوع،‏ يختفي يوسف من مسرح الاحداث المسطّرة في الاناجيل.‏ ويعلّل البعض غيابه بالقول انه مات قبل ان يبدأ يسوع خدمته.‏ * على اية حال،‏ من الواضح ان مريم كانت قد ترمّلت بحلول نهاية خدمة يسوع.‏ فقبل ان يلفظ ابنها انفاسه الاخيرة،‏ عهد الى الرسول يوحنا ان يعتني بها.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٢٦،‏ ٢٧‏)‏ ولو كان يوسف حيّا آنذاك لما فعل يسوع ذلك على الارجح.‏

مرّ يوسف ومريم جنبا الى جنب باختبارات كثيرة خلال حياتهما.‏ فقد زارهما الملائكة،‏ افلتا من يد حاكم طاغية،‏ غيّرا سكنهما عدة مرات،‏ وربّيا عائلة كبيرة.‏ وكم من الامسيات قضياها معا على الارجح يتحدثان عن يسوع ويتساءلان عما سيواجهه في المستقبل وإن كانا يحسنان تدريبه وإعداده لما ينتظره!‏ وها هي مريم تجد نفسها وحيدة بين ليلة وضحاها!‏

هل سلبك الموت رفيق دربك؟‏ هل ما زالت هذه الخسارة تشعرك بالاسى والفراغ،‏ حتى بعد مرور سنوات كثيرة؟‏ من المؤكد ان مريم استمدّت العزاء من ايمانها ومعرفتها عن رجاء القيامة.‏ * (‏يوحنا ٥:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ لكن هذه الافكار المعزية لم تمحُ مشاكلها.‏ فعلى غرار الكثير من الامهات المتوحدات اليوم،‏ تكبدت مريم عناء الاهتمام بأولادها دون ان يكون زوجها الى جانبها.‏

ويمكن ان نستنتج منطقيا ان يسوع اخذ على عاتقه مسؤولية اعالة العائلة بعد موت يوسف.‏ وفيما كان اخوته يكبرون،‏ بات في استطاعتهم ان يتولّوا قسطهم من الالتزامات العائلية.‏ ولمّا كان له «نحو ثلاثين سنة»،‏ ترك البيت وباشر خدمته.‏ (‏لوقا ٣:‏٢٣‏)‏ اليوم ايضا،‏ يغادر اولاد كثيرون منزل العائلة بعد ان يكبروا،‏ فتتضارب مشاعر معظم الآباء والامهات.‏ فبعد ان يكون الوالدون قد صرفوا في تنشئة صغارهم الكثير من الوقت والجهد وتعلّقوا بهم عاطفيا،‏ قد يخلّف رحيلهم فراغا يترسخ اثره في القلب.‏ فهل رحل احد اولادك عن المنزل ليحقق مطامحه؟‏ هل تشعر انك فخور به وتتمنى في الوقت نفسه لو انه بجانبك؟‏ اذًا لا بد انك تتفهم مشاعر مريم حين غادر يسوع البيت.‏

محنة لم تكن في الحسبان

ألمّت بمريم محنة ربما لم تخطر على بالها قط.‏ فمع ان كثيرين صاروا من أتباع يسوع نتيجة كرازته،‏ لم يفعل اخوته ذلك.‏ تقول الاسفار المقدسة انهم «لم يكونوا يمارسون الايمان به».‏ (‏يوحنا ٧:‏٥‏)‏ فمع ان امهم اخبرتهم دون شك ما قاله لها الملاك ان يسوع هو «ابن الله»،‏ لم يرَ فيه اخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا سوى اخيهم الاكبر.‏ (‏لوقا ١:‏٣٥‏)‏ وهكذا وجدت مريم نفسها في عائلة تتضارب فيها الآراء الدينية.‏

فهل تثبطت واستسلمت لهذا الواقع؟‏ قطعا لا!‏ فحين كان يسوع يكرز في الجليل ذات مرة،‏ قصد بيتا لتناول الطعام فاحتشد جمع حوله يستمع اليه.‏ وعندئذ،‏ جاءت امه وإخوته للبحث عنه.‏ وهذه الحادثة تدل انه كلما كان يسوع قريبا من منزل العائلة،‏ لحقت به مريم واصطحبت كما يتضح اولادها معها لعلهم يغيّرون موقفهم منه.‏ —‏ متى ١٢:‏٤٦،‏ ٤٧‏.‏

بصورة مماثلة،‏ قد تحاول جاهدا اتّباع خطى يسوع وسط عائلة يرفض افرادها السير في هذا الطريق.‏ فلا تيأس ولا تستسلم!‏ فكثيرون مثل مريم واظبوا بصبر على تشجيع افراد عائلتهم طوال سنوات قبل ان يلمسوا اي تغيير حقيقي في موقفهم.‏ غير ان الله يقدّر هذا النوع من الاحتمال حق التقدير سواء تجاوب الآخرون ام لا.‏ —‏ ١ بطرس ٣:‏١،‏ ٢‏.‏

مصيبة أنْستها المصائب

بعد كل تلك المحن،‏ ابتُليت مريم بمصيبة فطرت فؤادها.‏ فالاسفار المقدسة تظهر انها رأت بأم عينها فلذة كبدها يموت ميتة اليمة بعد ان نبذه شعبه.‏ وقد قيل في موت الولد انه «خسارة ما بعدها خسارة»،‏ «الفاجعة الاكثر ايلاما»،‏ سواء كان الولد صغيرا ام كبيرا.‏ لذا شعرت مريم،‏ حسبما أُنبئ قبل عقود من وقوع هذه البلوى،‏ كما لو ان سيفا مزّق احشاءها.‏ —‏ لوقا ٢:‏٣٤،‏ ٣٥‏.‏

فهل رزحت مريم تحت وطأة هذا المُصاب الذي كان ذروة احزانها؟‏ هل سمحت لنفسها ان تنسحق عاطفيا ويتقوّض ايمانها؟‏ كلا،‏ ففي المرة التالية التي تحدث فيها الكتاب المقدس عن مريم،‏ اخبر انها كانت هي وتلاميذ يسوع «يداومون معا على الصلاة».‏ ومَن كان برفقتها ايضا؟‏ ابناؤها الذين كانوا قد بدأوا بحلول ذلك الوقت يمارسون الايمان بأخيهم الاكبر.‏ وكم اثلج ذلك صدرها دون شك!‏ * —‏ اعمال ١:‏١٤‏.‏

عاشت مريم حياة غنية بالتجارب ومانحة للاكتفاء،‏ وأعربت عن الامانة خلال عزوبتها وحين أدّت دورها كزوجة وأم.‏ وقد مرّت بالكثير من الاختبارات المنعشة روحيا وتخطّت محنا وتجارب عديدة.‏ لذا عندما تلمّ بنا المصاعب على حين غرّة او يساورنا القلق حيال مشاكلنا العائلية،‏ يمكننا ان نتعلم الكثير من مثالها في الاحتمال بأمانة.‏ —‏ عبرانيين ١٠:‏٣٦‏.‏

ولكن ما القول في التبجيل الخصوصي الذي يقدّمه لها كثيرون من المتعبدين؟‏ هل يمكن لرواية الكتاب المقدس عن دور مريم الفريد ان تبرّر منحها العبادة؟‏

‏[الحواشي]‏

^ ‎الفقرة 17‏ قُدِّم زوج الترغل او فرخا اليمام قربان خطية.‏ (‏لاويين ١٢:‏٦،‏ ٨‏)‏ وقد اعترفت مريم من خلال تقديم هذا القربان انها،‏ كسائر البشر الناقصين،‏ ورثت عواقب الخطية التي ارتكبها الانسان الاول آدم.‏ —‏ روما ٥:‏١٢‏.‏

^ ‎الفقرة 26‏ رأى البعض ان غياب يوسف عن سجل خدمة يسوع جدير بالملاحظة لأن الاناجيل جاءت على ذكر باقي افراد عائلته،‏ اي امه وإخوته وأخواته.‏ على سبيل المثال،‏ في وليمة العرس التي أُقيمت في قانا،‏ نلحظ ان مريم انهمكت في بعض الاعمال،‏ حتى انها اخذت المبادرة في مسألة الخمر،‏ ولكن ما من اشارة الى يوسف.‏ (‏يوحنا ٢:‏١-‏١١‏)‏ وفي مناسبة اخرى،‏ نقرأ ان اهل المدينة حيث ترعرع يسوع دعوه «ابن مريم»،‏ لا ابن يوسف.‏ —‏ مرقس ٦:‏٣‏.‏

^ ‎الفقرة 28‏ من اجل المزيد من المعلومات عن وعد الكتاب المقدس بالقيامة،‏ انظر الفصل ٧ من كتاب ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟‏‏،‏ اصدار شهود يهوه.‏

‏[الاطار/‏الصورة في الصفحة ٦]‏

 هل كان ليسوع اخوة وأخوات؟‏

في الواقع نعم.‏ فمع ان اللاهوتيين يحاولون التملص من هذه الفكرة،‏ تكشف الاناجيل بكل وضوح عن هذه الحقيقة اكثر من مرة.‏ (‏متى ١٢:‏٤٦،‏ ٤٧؛‏ ١٣:‏٥٤-‏٥٦؛‏ مرقس ٦:‏٣‏)‏ غير ان علماء الكتاب المقدس لديهم اكثر من مأخذ على النظريات التي تفترض ان مريم لم تنجب اولادا آخرين.‏ ومأخذهم الاول هو ان ثمة غاية من ترويج هذه النظريات:‏ دعم عقيدة كنسية نشأت بعد فترة طويلة تعلّم ان مريم بقيت عذراء طوال حياتها.‏ والمأخذ الثاني هو ان هذه النظريات لا تصمد امام البحث والتدقيق.‏

على سبيل المثال،‏ تقترح احدى النظريات ان «اخوة» يسوع هم ابناء يوسف من زواج سابق.‏ لكن هذه الفكرة ليست صحيحة لأنها تحرم يسوع حقه الشرعي ان يرث مملكة داود بصفته الابن البكر.‏ —‏ ٢ صموئيل ٧:‏١٢،‏ ١٣‏.‏

وتفيد نظرية اخرى ان هؤلاء الاخوة هم في الواقع ابناء خالة يسوع،‏ مع ان الاسفار اليونانية تستخدم كلمات مختلفة مقابل كلمة «اخ» و «ابن خالة» و «قريب».‏ لذلك يصف العالِم فرانك إ.‏ ڠابلين نظريات كهاتين بأنها بعيدة عن الواقع.‏ وقد خلص الى الاستنتاج التالي:‏ «ان الطريقة الاقرب الى المنطق لفهم كلمة ‹اخوة› .‏ .‏ .‏ هي انها تشير الى ابناء مريم ويوسف وبالتالي اخوة يسوع من امه».‏

‏[الاطار في الصفحة ٧]‏

 دفعتها شجاعتها الى التغيير

ترعرعت مريم في عائلة يهودية واعتنقت الدين اليهودي.‏ وكانت ترتاد المجمع،‏ كما يُدعى مكان العبادة المحلي عند اليهود،‏ وتزور الهيكل في اورشليم.‏ ولكن فيما نمت معرفتها لمقاصد الله،‏ ادركت ان تقاليد آبائها ما عادت تحظى بالرضى الالهي.‏ حتى ان القادة الدينيين اليهود قتلوا ابنها المسيّا.‏ وكان يسوع قد قال لهم قبل موته:‏ «ها هو بيتكم يُترك لكم».‏ (‏متى ٢٣:‏٣٨‏)‏ فالله حجب بركته عن النظام الديني الذي تربّت مريم منذ صغرها على مبادئه.‏ —‏ غلاطية ٢:‏١٥،‏ ١٦‏.‏

وعندما تأسست الجماعة المسيحية،‏ كانت مريم في الخمسين من عمرها تقريبا.‏ فهل فكّرت انها نشأت كفتاة يهودية وستبقى بالتالي وليّة للتقاليد التي ورثتها عن آبائها؟‏ هل تذرّعت بعمرها كي ترفض القيام بأي تغيير؟‏ قطعا لا!‏ فقد ادركت ان الله يغدق بركاته الآن على الجماعة المسيحية،‏ فدفعتها شجاعتها وإيمانها الى التغيير.‏

‏[الصورة في الصفحة ٥]‏

حين هربوا الى مصر

‏[الصورة في الصفحة ٨]‏

افظع محنة قد تمرّ بها الام